خطبة جمعة بتاريخ 14/11 / 2008 : خ1: تربية الأولاد في ضوء الكتاب و السنة ، خ2: تربية الأولاد تربية إسلامية تغرس فيهم حب دينهم إلى نهاية حياتهم - لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ، ونستعين به ، ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مُضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله ، سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين أمناء دعوته وقادة ألويته و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الأخوة الكرام ، في حياة الإنسان أشياء مرتبطة به ارتباطاً عضوياً ، من هذه الموضوعات أولاده ، مهما جمعت ثروة ، ومهما اعتليت مرتبة ، ومهما كنت متفوقاً ، إن لم يكن أولادك كما تتمنى فأنت أشقى الناس ، هناك ملمح في القرآن الكريم في قوله تعالى :
﴿ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) ﴾
( سورة طه )
بحسب السياق اللغوي فتشقيا ، لكن القرآن فيه إيجاز وبلاغة ، شقاء الزوج شقاء حكمي لزوجته ، وشقاء الأولاد شقاء حكمي لأبيهما وأمهما ، فلذلك هناك أناس شردوا عن الله ، أرادوا الدنيا وخسروا أولادهم ، يدخل عليهم من الألم ما لا يوصف لأنهم خسروا أثمن شيء يملكونه ، لأن ابنك امتداد لك .
أيها الأخوة ، ما منا واحد إلا وقد جبل على حبّ وجوده ، وعلى حبّ سلامة وجوده ، وعلى حبّ كمال وجوده ، وعلى حبّ استمرار وجوده ، سلامة وجودك في طاعة الله ، وكمال وجودك في العمل الصالح ، لكن استمرار وجودك في تربية أولادك ، إذا صحّ أن أقول لم يبق للمسلمين في أيديهم من ورقة رابحة إلا أولادهم ، فإذا كانت شاشات الصغار فيها 58% من مشاهد الجنس في شاشات الكبار ، و37 % سحر وشعوذة ، والباقي أعمال عنف ماذا تنتظر من هذا الجيل الذي تعقد عليه الأمة كل آمالها ؟ هذه الأمة ببعثة النبي عليه الصلاة والسلام كانوا رعاة للغنم ، فصاروا قادة للأمم ، والآن تداعى علينا الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها ، بكل دولة إسلامية في ثلاثين دولة حليفة محتلة .
أيها الأخوة ، قضية المسلمين اليوم قضية نكون أو لا نكون ، قضية بقاء أو فناء ، لأن الطرف الآخر يريد إفقارنا ، وإضلالنا ، وإفسادنا ، وإذلالنا ، وإبادتنا ، فلذلك الورقة الوحيدة الرابحة في أيدينا أولادنا ، لا نسعد إلا بأولاد صالحين ، صحت عقيدتهم ، وصحّ سلوكهم ، وكانوا عناصر في المجتمع بناءة ، وإيجابية ، ومتوازنة ، ومنضبطة ، ومعتدلة ، وهذه مهمة الآباء والأمهات ومهمة المدارس والجامعات ومهمة الإعلام ، ولابدّ من إصلاح البيت ، وإصلاح المدرسة ، وإصلاح الإعلام ، يبث في اليوم والليلة سبعمئة ساعة هناك ثمانمئة محطة فضائية ، أربعمئة منها إباحية ، هناك ثلاثة وعشرون مليون موقع إباحي في الانترنيت ، يعني موقف المسلمين قديماً كحديقة حيوان تقليدية الوحوش في الأقفاص ، لكن موقف المسلمين حديثاً كحديقة حيوان إفريقية الوحوش طلقاء والزوار إن لم يحصنوا بسيارة مصفحة يؤكلون .
لذلك هذا تمهيد إلى أن الورقة الرابحة الوحيدة التي بقيت في أيدينا هي أولادنا ، والسعادة التي يتمتع بها الأب الذي كرمه الله بتربية أولاده لا توصف ، لا توصف أن ترى ابنك مؤمناً ، أن ترى ابنك صادقاً ، أن ترى ابنك أميناً ، أن ترى ابنك ذا سمعة طيبة ، أن ترى ابنك عنده أولاد صالحون ، عنده زوجة صالحة ، قال تعالى :
﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾ .
( سورة الفرقان ) .
والله أيها الأخ الكريم يعني قبل خمسين عاماً ممكن بتوجيه خفيف أن يكون ابنك كما تتمنى ، أما الآن مع كثرة الصوارف عن الحق ، ومع كثرة العقبات التي تقف بينك وبين الحق ، تحتاج إلى عشرة أضعاف من الجهد كي تكون عقيدة ابنك سليمة ، شخص التحق بمدرسة أجنبية قال له قريبه (عمه) ماذا تعرف عن عمر ؟ قال : عمر الشريف ؟ لما قال له عمر ما قفز إلى ذهنه إلا مخرج ، أما سيدنا عمر ، إنسان تربى بمدرسة بعيدة عن الدين زار مصر سأل أحد موظفيه قال أين قبر محمد ؟ يتوهم أن قبر محمد في القاهرة .
فحينما ندع أولادنا لمدارس مناهجها لا ترضي الله لكنها غالية جداً ، فإذا وضعت ابنك في مدرسة منهجها لا يرضي الله يتخرج منها إنسان مستغرب ، متنكر لأمته ، ولدينه ، ولعقيدته ، أنت حينما ترى ابنك ليس كما تتمنى ما الذي يحصل لك ؟
كنت مرة في أمريكا ، في ولاية اسمها ديترويت ، في هذه الولاية خمسة آلاف طبيب مسلم من سوريا بالذات ، أقيم مؤتمر للأطباء في دمشق لمئة من هؤلاء الأطباء ، أحد الأطباء زوج ابنته في دمشق ، ودعاني إلى إلقاء كلمة في عقد القران ، مرة كنت في مؤتمر في أمريكا فقام أحد الدعاة وقال كلمة مؤثرة جداً قال : إن لم تضمن أن يكون ابن ابن ابنك مسلماً في تلك البلاد لا ينبغي أن تبقى فيها .
والله بعد أن انتهت كلمتي ، وانتهى الحفل تقدم مني طبيب مقيم هناك ، ودمعته على خده ، قال لي : ألم تقل أنت إن لم تضمن أن يكون ابن ابن ابنك ، قال لي : أنا ابني ليس مسلماً ، ما في حاجة ابن ابن ابني ابني ليس مسلماً .
فيا أيها الأخوة ، ما من شيء ثمين من دون حدود يملكه الآباء اليوم إلا أولادهم ، أولادنا يعني المستقبل ، أولادنا يعني تقدمنا ، أولادنا يعني تماسكنا ، أولادنا يعني أن ندافع عن مقدساتنا ، أولادنا يعني أن نستعيد قيادة الأمم إن شاء الله ، فأولادنا هم حجر الأساس لحياتنا ، لكن كما انتهجت لنفسي هذا المنهج أنا أؤمن أن الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، الحقيقة المرة المؤلمة ، اسمعوا هذه الحقيقة ولا أشك بها إطلاقاً : أكثر أخطاء الأبناء من جهل الآباء أو من انشغالهم ، والأب البطل هو الذي لا يقفز على المشكلة بل يواجهها ، فكلما كان الأب على فهم صحيح ، وعلى إدراك عميق ، وعلى تمسك بالمبادئ والقيم ، انعكست هذه القناعات ، وهذا الانضباط على أولاده استقامة وصلاحاً ، فأول شيء معظم أخطاء الأبناء من جهل الآباء أو من انشغالهم ، وقد التقيت كثيراً بأناس يرعون الأيتام وكلمتي دائماً أن اليتيم الحقيقي من وجد أباً مشغولاً أو أماً أيضاً مشغولة عنه ، هذا هو اليتم الحقيقي .
أيها الأخوة ، النقطة الثانية : نحن عندنا كلمة نرددها كثيراً اسمها المراهقة ، المراهق في التعبير الدقيق هو السفيه ، من قال لك إن في مجتمع المسلمين الحقيقي الذي أراده الله مراهقون ، ابن ينشأ في أسرة منضبطة ، الأمور مضبوطة ، المبادئ واضحة ، الأهداف واضحة ، البيت متوازن ، الأب يربي أولاده تربية صحيحة ، المدرسة تعطيه من العقيدة الصحيحة ، المراهقة موجودة في مجتمع متفلت ، لأن الإنسان بأدق تعريفات المراهقة عند البلوغ ، عند البلوغ هناك شهوة استيقظت لكن هذه الشهوات في الإسلام منضبطة ، الشهوة في الإسلام ترقى بها إلى رب الأرض والسماوات ، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها ، مثل أردده مئات المرات ، الشهوة صفيحة بنزين ، توضع في المركبة في المستودعات المحكَمة ، وسال البنزين في الأنابيب المحكَمة ، وانفجر في الوقت المناسب ، وفي المكان المناسب ، ولَّدَ حركة نافعة تقلك أنت وأهلك إلى مكان جميل ، وهذه الصفيحة نفسها صبها على المركبة أعطى شرارة أحرقت المركبة ومَن فيها ، الشهوة قوة دافعة أو قوة مدمرة ، الشهوة حيادية ، يمكن أن تتزوج امرأة ، وتنجب أولاداً صالحين ، يملؤون البيت فرحة ، يملؤون المجتمع عطاءً وانضباطاً ، وترقى بهذا الزواج إلى أعلى عليين ، وهذه الشهوة لو سلكت قناة قذرة كانت هلاكاً لصاحبها ، وللمجتمع ، وهذا الذي يحصل ، فالمجتمع الغربي متفلت ، وغير منضبط ، لا يوجد شيء محرم ، قال لي مرة مندوب دولة في مؤتمر في أمريكا قال : عندنا في أمريكا لا يوجد شيء مقدس ، لا يوجد شيء إلا خاضع للبحث والدراسة والنقد والإلغاء ، لا يوجد بالمجتمع المتفلت خطوط حمراء أبداً ، نحن في عندنا خطوط حمراء ، الإيمان بالله ، الإيمان برسول الله ، الإيمان بهذا المنهج ، الإيمان بأفعال الصحابة الذين اصطفاهم الله لصحبة رسوله ، في عندنا منهج .
أيها الأخوة الكرام ، أول حقيقة أتمنى على كل أب منكم أن يعترف بها أن أخطاء أولاده ربما ترجع في الأعم الأغلب إلى أخطائه ، فقبل أن تعنف تلافى الخطأ ، بدل أن تعنف تلافى الخطأ ، لأن الطفل فطر فطرة سليمة إن علمته على الصدق كان صادقاً ، إن علمته على الأمانة كان أميناً ، إن وجهته كان كما تتمنى .
أيها الأخوة ، هناك شيء آخر هو أن إنسان أعقد آلة في الكون ، تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز ، ولهذه الآلة البالغة التعقيد صانع حكيم ، ولهذا الصانع الحكيم تعليمات التشغيل والصيانة ، النقطة الدقيقة جداً أنه في اللحظة التي تتوهم فيها أن أوامر الشرع قيود لحريتك فأنت لا تفقه من الدين شيئاً ، وفي اللحظة التي توقن بها أن أوامر الشرع ليست قيداً لحريتك ولكنها ضمان لسلامتك تغدو فقيهاً ، أي بدافع من محبتك لذاتك ، بدافع من حرصك على سلامتك ، بدافع من حرصك على كمالك ، على بقائك ، على سعادتك ، أطع ربك ، لأن منهج الله عز وجل منهج موضوعي .
والله الذي لا إله إلا هو كلما رأيت شيئاً إيجابياً في مجتمع الغرب يعزى إلى أنهم بذكائهم طبقوا شيئاً من إسلامنا فقط ، أي شيء تراه في مجتمع الغرب إيجابي هو في الحقيقة بسبب تطبيقهم لجزء من منهج المسلمين ، هم لا يعبدون الله لكن ذكاءهم قادهم إلى ذلك .
نحن لسنا مستعدين أن نأخذ من الغرب أمراضهم ، نحن في غنى عن أن نأخذ مشكلات الآخرين ، مجتمع متفلت ، هذا المجتمع المتفلت المعصية في كل مكان ، الشيء الخطير أيها الأخوة أننا على دربهم سائرون ، أننا نتبع أثرهم خطوة خطوة ، و لو دخلوا جحر ضب لدخلناه بعدهم ، أنا لفت نظري في الصين كلمة طعام حلال ، وثياب حلال ، ماذا يقابل الطعام الحلال ؟ الطعام الحرام لحم الخنزير ، وماذا يقابل الثياب الحلال ؟ الثياب المحرمة الفاضحة الضيقة التي تثير الشهوات ، وتصرف الشباب عن مستقبلهم .
أيها الأخوة الكرام ، شاب في السابعة عشر من عمره هذا ما إمكاناته ؟ في الإسلام بسن المراهقة ، هذا قائد جيش ، قائد جيش من جنوده أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، أسامة بن زيد ركب الناقة وهو قائد الجيش ، وسار في ركابه أبو بكر خليفة المسلمين ، قال يا خليفة رسول الله لتركبن أو لأنزلن ، قال والله ما ركبت ولا نزلت وما علي أن تغبر قدماي ساعة في سبيل الله.
أي ممكن غلام صغير إلى جانب النبي عليه الصلاة والسلام ، جاءت الضيافة ، بحسب السنة من حقه أن يأخذ الضيافة أول واحد ، قال له : أتأذن لي يا غلام أن أعطي الأشياخ قبلك ؟ قال له : لا والله لا آذن لك ، هذا حقي لا أتنازل عنه أبداً ، هكذا ربى النبي الصغار ، بالمناسبة أخوانا الكرام احترام شخصية الصغير هذه ترفع قيمته ، تفجر طاقاته ، تعطيه الثقة بنفسه ، فالأب المؤمن يحب أولاده ، ويحترمهم ، ويأخذ رأيهم أحياناً ، أتأذن لي يا غلام أن أعطي الأشياخ قبلك ؟ قال له : لا والله لا أنزل عن حقي بعدك لأحد .
أيها الأخوة ، مرة ذكرت هذا بشكل مفصل ، عندنا شيء في القرآن الكريم اسمه قانون الالتفاف والانفضاض ، هل منا واحد لا يتمنى أن يلتف حوله أولاده ؟ وإذا عنده محل تجاري موظفوه يلتفون حوله ، يحبونه ، يخلصون له ، في غيبته حراس له ، في حضرته خدم له ، هذا القانون موضح في آية كريمة ، قال تعالى :
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 159 ) .
أي بسبب رحمة استقرت بقلبك يا محمد كنت ليناً لهم ، من خلال اتصالك بنا كنت ليناً لهم فالتفوا من حولك ، ولو كنت منقطعاً عنا لامتلأ القلب قسوة ، ولانعكست القسوة غلظة وفظاظة ، فانفضوا من حولك .
أقسم لكم بالله ولا أبالغ بالأسبوع تأتيني اتصالات هاتفية عديدة جداً ؛ مفادها أب قاس ، لا يلتفت إلى أولاده إطلاقاً ، دائماً يسبهم و يعنفهم ، دائماً يوبخهم ، دائماً يضعف شخصيتهم ، بيت جحيم ، متى تكون بيوتنا جنة ؟ متى تكون البيوت نعيماً ؟ النعيم لا يحتاج إلى أموال يحتاج إلى مودة ، أحياناً يكون الطعام متواضعاً جداً لكن في حب بين أفراد الأسرة.
أيها الأخوة ، لهذا النبي عليه الصلاة والسلام في سلوكه اليومي أعطانا دروساً ، هذا ابنك ، والله مرة توفي عالم كبير في الشام ، كان خطيباً بالأموي ، وأجري له حفل عزاء كبير في الجامع الأموي ، في آخر يوم اعتلى ابنه المنبر ، وألقى خطبة أبكتني ، فقلت في نفسي : والله لم يمت والده .
إذاً هناك استمرار ، استمرار وجودك بتربية أولادك ، هذا القانون الالتفاف والانفضاض :
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 159 ) .
هذا القانون يحتاجه الأب ، يحتاجه المعلم ، يحتاجه صاحب المحل التجاري ، يحتاجه مدير الجامعة ، يحتاجه مدير المستشفى ، يحتاجه أي إنسان يحتل منصباً قيادياً ، ألا تحب أن يلتف من حولك نحوك ؟
نقطة ثانية أيها الأخوة ، مرة رأيت حاضنة ، فيها ثقبان ، سألت الطبيب لما هذان الثقبان ؟ قال هذا الطفل الصغير يحتاج إلى لمسات من أمه ، هو في حاضنة الآن فهذان الثقبان من أجل أن تدخل الأم أصابعها للمس ابنها ، الطفل أحياناً غير الطعام والشراب بحاجة إلى حنان ، حدثنا أستاذ في الجامعة أن الأم التي ترضع ابنها بقسوة ينشأ قاسياً ، والأم التي ترضع ابنها بحنان ينشأ ذا رحمة ، هذا الشيء من بديهيات التربية ، الطفل أطعمته جيد ، سقيته ، اشتريت له ثياباً جيدة ، كله جيد ، هو بحاجة إلى شيء آخر بحاجة إلى حنانك ، إلى أن تضمه ، إلى أن تشمه ، إلى أن تلاعبه ، إلى أن تبتسم في وجهه ، هذه ينبغي ألا يغفل عنها الآباء ، الإنسان بحاجة إلى غذاء روحي ، إلى غذاء معنوي ، إلى أن يرى أباه يحبه ، إلى أن يرى أمه تحبه ، أن يرى أمه تضمه وتشمه ، إن أردت أن يلتف ابنك حولك عليك بإكرامه أولاً وعليك بأن تسقيه مع الحليب العطف والحنان .
أيها الأخوة ، أنا سافرت إلى بلاد كثيرة لكن لفت نظري أن في ماليزيا هذا الصحن الموضوع على الأسطحة غرامته تقترب من مليون ليرة ، حرصاً على أولادهم ، غرامته تقترب من مليون ليرة ، يعني هناك انضباط ، سافرت إلى بلد بعيد في قناة واحدة مسموح أن يراها الصغار الباقي كلها مشفرة في انضباط ، يقول لك هؤلاء الذين ما عرفوا الله أبداً خافوا على أولادهم ، ترى مسلماً مفتوح الصحن على ثمانمئة محطة وسهر مع زوجته عند أقربائه ، ويوجد في البيت شباب و شابات ، هناك مشكلة كبيرة يا أخوان ، هناك شيء لا أستطيع أن أحكيه على المنبر ، أولادنا فلذة أكبادنا ، أولادنا مستقبلنا ، أولادنا مستقبل أمتنا ، أولادنا أقرب شيء إلينا ، والله لا نسعد إلا إذا كان أبناؤنا كما نتمنى .
أيها الأخوة ، أيضاً شيء آخر يجب أن تكون صديقاً لابنك ، ورد في الأثر :
(( لاعب ولدك سبعاً ، وأدبه سبعاً ، وراقبه سبعاً ، ثم اترك حبله على غاربه ))
يعني في مرحلة لا يصلح له إلا الملاعبة والمداعبة لأنه لا يدرك ، وهناك أب أحياناً يبكي ابنه فيضربه ضرباً مبرحاً ، عمره ثلاث سنوات ، لاعب ولدك سبعاً ، بعد السبعة أدبه سبعاً ، ثم كبر صار له كيان ، هذا الكيان لا يسمح لك أن تهينه أمام الناس ، وراقبه سبعاً ، يحتاج أن تعامله بحذر شديد لا هو راشد فيرضيك ولا هو طفل فتعذره ، يسمونه عند بعض النساء سن محير ، فبعد السبعة الثالثة راقبه وبيّن له بينك وبينه ، وهناك حديث رائع جداً :
(( علموا ولا تعنفوا ، فإن المعلم خير من المعنف )) .
[أخرجه الحارث عن أبي هريرة ] .
وضح ، لماذا نحن نصلي يا بني ؟ صلِّ ، فقط صلِّ ، ما صلى أضربه ، ليست هذه هي التربية عرفه بالله عز وجل ، بيّن له أفعال الله عز وجل ، بيّن له عظمة الله عز وجل ، هذا الإله خلقنا من عدم خلقنا للجنة ، يريد أن نعبده حتى نستحق الجنة ، فأنت بين بين وإذا الأب جاهل هذه مشكلة ، فاقد الشيء لا يعطيه ، يجب أن يكون الأب عالماً حتى يعلم أبناءه ، يعني أنت إذا طلبت العلم ليس لك وحدك أنت تمثل أسرة ، سألك ابنك سؤالاً محرجاً معك جوابه بينت له .
(( أدبوا أولادكم على ثلاث خصال على حب نبيكم وعلى حب آل بيته وتلاوة القرآن )) .
[ أخرجه الطبراني عن علي]
اقرأ له آية ، اشرحها له .
أيها الأخوة ، نحن ما عندنا مراهقة بالإسلام عندنا فتوة ، قال تعالى :
﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) ﴾
( سورة الكهف)
ما من شيء أكرم على الله من شاب تائب ، واللهُ عزّ و جل يباهي الملائكة بالشاب التائب ، يقول : انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي .
أحب ثلاثاً ، وحبي لثلاث أشد ، أحب الطائعين ، وحبي للشاب الطائع أشد ، أحب المتواضعين ، وحبي للغني المتواضع أشد ، أحب الكرماء ، وحبي للفقير الكريم أشد ، وأبغض ثلاثاً ، وبغضي لثلاث أشد ، أبغض العصاة ، وبغضي للشيخ العاصي أشد ، يقول لك مراهقة متأخرة أي سفيه ، أبغض المتكبرين ، وبغضي للفقير المتكبر أشد ، أبغض البخلاء ، وبغضي للغني البخيل أشد .
أيها الأخوة الكرام ، نحن في مصطلح المسلمين عندنا فتوة ، والله قوة الأمة في قوة شبابها ، طاقات ، نشاط ، حيوية ، ذهن حاد ، قديماً كان شبابنا في الجهاد ، الآن ماسك هامبرغر وذاهب إلى الملعب ومعه بيبسي ، وهدفه الأكبر هذا اللاعب أو هذا الممثل أو هذه الساقطة أو الساقط ، أين ؟
أيها الأخوة الكرام ، نحن عندنا فتوة وشعارنا :
﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) ﴾
( سورة الكهف)
وقد تجد إنجازات الشباب تفوق حدّ الخيال ، والله أحياناً أرى شاباً مؤمناً مندفعاً إلى خدمة أمته ، والله أتفاءل تفاؤلاً شديداً ، يدخل هذا الشاب على قلبي من التفاؤل ما لا يوصف ، تجد شاباً خرج عن الشيء الشائع ، شاب منحرف ، لاه ، عابث ، لا يعنيه شيء ، ليس جاداً ، في أي موضوع مستهزئ ، ساخر ، رافض أي شيء ، هذا النموذج الغربي في شهوات مستعرة والأمور ليست ميسرة ، هذه الإنجازات الضخمة في الأرض للأقوياء والأغنياء فقط ، والباقون محرومون ، وهذا الحرمان يسبب حالة اختلال توازن ، أما المؤمن هدفه واضح وهو يمشي على الطريق الصحيح .
لذلك أيها الأخوة الآية الكريمة :
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) ﴾
( سورة طه)
المراهقة بأدق تعريفها سفه ، مثلاً :
﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ (130) ﴾
( سورة البقرة)
أنت يمكن أن ترفض آلاف الأشياء ترفضها احتقاراً لها ، ترفض وظيفة متعبة ودخلها قليل ، ترفض سفراً الراتب قليل جداً والجهد كبير ، ترفض فتاة ليست ملتزمة بالزواج منها ، لك أن ترفض آلاف الأشياء إلا أنك إذا رفضت هذا الدين العظيم فإنك تحتقر نفسك ، قد ترفض شيئاً لأنك تحتقره إلا أنك إذا رفضت الدين تحتقر نفسك ، والدليل :
﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ (130) ﴾
( سورة البقرة)
سيدنا خالد لما أسلم متأخراً ، قال له النبي عليه الصلاة والسلام كلمة رائعة قال له : عجبت لك يا خالد أرى لك فكراً . أنت ذكي ومن لوازم الأذكياء أن يكونوا مؤمنين ، عجبت لك يا خالد أرى لك فكراً .، لذلك :
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) ﴾
( سورة طه)
هناك شيء آخر : نحن لا يوجد عندنا بالإسلام حرمان أبداً ، نحن عندنا أوامر هي ضمان لحريتنا ، ضمان لسلامتنا وليست حداً لحريتنا ، وكل إنسان يتوهم في حدّ للحرية واهم وجاهل قال تعالى :
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾
( سورة القصص الآية : 50 )
المعنى المعاكس من يتبع هواه وفق هدى الله عز وجل لا شيء عليه ، ما في شهوة أودعها الله فينا إلا لها قناة نظيفة ترقى بها ، قال لي عالم : أنا عندي ثمانية وثلاثون حفيداً ، ستة عشر من حفاظ كتاب الله وعشرة أطباء ، تزوج امرأة وكانت المحصلة هذا الكم الكبير من الصالحين والمثقفين .
أيها الأخوة ، بقي شيء دقيق وهو أن سلوك الإنسان انعكاس لتصوره ، كل واحد منا عنده تصور ، فأنت حينما تكون بطلاً تقدم لابنك تصورات صحيحة فيستقيم سلوكه ، تقدم لابنك تصورات صحيحة ، عقيدة صحيحة ، سلوكه انعكاس لعقيدته ، الآن أزمة أهل النار في النار ما هي ؟ الجهل ، قال تعالى :
﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ {10} ﴾ .
( سورة الملك ) .
فلذلك حينما تُعرف ابنك بسرّ وجودك ، وبغاية وجودك ، وأنك مخلوق للجنة ، وأن هذه الأوامر لصالحنا ، أنا مرة قرأت قصة في صحيفة تشرين أن سائق مركبة عامة أشير له أن يقف من قبل امرأة سألها إلى أين تذهب ؟ فأجابته بكلمة أغرته بها : أيّ مكان تريد أذهب معك ، فقضى منها حاجته ، أعطته ظرفاً مرحباً بك في نادي الإيدز .
هذا الرجل لو حضر درس علم لفتح باب المركبة وركلها بقدمه ، كل معصية في ورائها مصيبة كبيرة .
أنت حينما تستقيم على أمر الله أنت في ظل الله ، في حماية الله :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ .
( سورة فصلت ) .
أيها الأخوة الكرام ، يمكن أن أقول لكم بشكل دقيق الحديث الشريف :
(( علموا ولا تعنفوا ، فإن المعلم خير من المعنف )) .
[أخرجه الحارث عن أبي هريرة ] .
وحينما تسعد بأولاد صالحين فأنت من أسعد الناس .
أقول قولي هذا ، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه يغفر لكم ، فيا فوز المستغفرين ، أستغفر الله .
* * *
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى صحابته الغر الميامين ، و على آل بيته الطيبين الطاهرين .
أيها الأخوة ، مرة إنسان وعدني الساعة السادسة صباحاً ، سألته لما هذا الوقت المبكر ؟ هذا وقت راحتك ؟ قال لي أنا رباني أبي رحمه الله على صلاة قيام الليل كل يوم ، فنحن نستيقظ قبل الفجر بساعة ، نصلي ، نذهب إلى المسجد ، نعود نبدأ بأعمالنا ، إنسان توفى والده من أربعين سنة غرس فيه العمل مبكراً وصلاة قيام الليل يومياً .
كنت بسفر وقال لي شخص ركب إلى جانبي في الطائرة ، قال لي : أنا أبي كان يعطيني مبلغاً ضخماً ، يقول لي : وزعه صدقات بحسب معرفتك ، هناك أب يعلم ابنه يكون محسناً ، يعلم ابنه يكون ملتزماً ، فأنا أتمنى أن يكون الأب يفكر تفكيراً جاداً لأن هموم المعاش أنسته أنه أب ، وهذه مشكلة كبيرة ، لأن الوضع الآن يسعى الإنسان إلى تحقيق الحد الأدنى من الدخل فمشغول دائماً ، مرة رئيس فرنسا جيسكاردستان كلف ثلاثين عالم اجتماع يجلسون في منتجع ويعطونه جواباً عن سؤال واحد : لماذا العنف في العالم ؟ نحن بالخمسينات كل عشر سنوات يتم إعدام شخص في المرجة ، تزحف دمشق كلها لتشاهده ، الآن عندنا كل يوم في مئة قتيل يومياً بالأخبار ، هناك عنف شديد بالعالم ، هذا الرئيس الفرنسي سأل لماذا العنف في العالم ؟ قد تفاجؤون بالجواب ، أجابوا : مجتمع الاستهلاك يعرضون عليك آلة حديثة ، مكيف جديد ، غسالة جديدة ، سيارة جديدة ، باستمرار بالشاشة والطرقات ، فكل الإعلانات تساوي حاجة إلى شيء ما معك ثمنه ، أنت أمام ثلاث حالات إما الإحساس بالحرمان ، أو أن تلغي وقت الفراغ وإذا ألغيت وقت الفراغ ألغيت أبوتك ما عاد أب ، يقول لك أطلع قبل أن يستيقظوا وأعود بعدما يناموا ، لأنه عنده وظيفة وعنده عمل بعد الظهر محاسبة أو على سيارة ، يعمل عشرين ساعة ليحضر المصروف ، فمجتمع الاستهلاك إما أن يشعرك بالحرمان الدائم ، أو أن يلغي أبوتك ، أو أن يحملك على أن تأكل المال الحرام ، ثلاثة خيارات ، إما أن تسقط من عين الله وعين المبادئ والقيم الراقية ، أو أن تلغي وقت فراغك ، أو أن تحس بالحرمان .
دخلت امرأة لسوق تجاري كبير جداً قالت يا إلهي ما أكثر الحاجات التي لا يحتاجها الإنسان ، مجتمع الاستهلاك رُسم لنا من الغرب ، يريدوننا أسواقاً لبضائعهم ، تجد حاجة بعرض رائع ، وبغلاف رائع ، من أجل أن تشتري ، هذا حمى الاستهلاك ، هذا مرض خطير ، هذا على حساب بيوتنا ، على حساب استقرار أسرنا ، على حساب السعادة الزوجية وسعادة البيت .
يا أيها الأخوة ، البطولة لا أن تكون مع التيار ، البطولة أن تقف وتتحرك وفق قناعاتك ، لا تقبل أن تكون رقماً بخطة عدوك ، أنا أقول لكم دائماً إما أن تخطط وإما أن يُخطط لك ، لا تكن رقماً بسيطاً ، العدو رسم خطة من أجل ترويج بضائعه ، أنت تكون تحت هذا الضغط تبيع دينك من أجل المال هذا الذي يحصل .
امرأة في عهد الصحابة طلبت من زوجها شيئاً لا يملك ثمنه ألحت عليه فقال لها: اعلمي أن في الجنة من الحور العين ما لو أطلت إحداهن على الأرض لغلب نور وجهها ضوء الشمس والقمر ، فلأن أضحي بك من أجلهن أهون من أن أضحي بهن من أجلك .
فالإنسان يجب أن يخطط لنفسه ، ويرسم لنفسه مبادئ ، ويتحرك وفق منهج الله ، حتى يسلم ويسعد .
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ، ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك و نتوب إليك ، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت ، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام ، وأعز المسلمين ، انصر المسلمين في كل مكان ، وفي شتى بقاع الأرض يا رب العالمين ، اللهم أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم الأكرمين .
والحمد لله رب العالمين
نقلها اخوكم
ميدووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووو