الخطبة رقم 14 / 08 بتاريخ 25/ 05/1990 - البيت المسلم "4" : من أسباب فساد الأولاد : الطلاق ، ورفقاء السوء.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلَّم ، رسول الله سيِّد الخلق والبشر ، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٌ بخبر ، اللهمَّ صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريَّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة المؤمنون ... لا زلنا في البيت المسلم ، وانطلاقاً من أن الأسرة لبنة المجتمع الأولى ، فإذا صلحت صلح المجتمع ، وإذا فسدت فسد المجتمع ، وانطلاقاً من أن شقاء الزوجين يَنْبُع من شقاء أبنائهما ، لذلك كانت تربية الأولاد في الإسلام تحتل المكانة الأولى في التوجيهات الدينية .
يا أيها الإخوة الأكارم ... يشقى المرء بشقاء أولاده ويسعد بسعادتهم ، فلذلك يجب أن نُعنى بهذا الجانب من الإسلام .
أيها الإخوة المؤمنون ... في الخطبة السابقة كان موضوعها ، بل في القسم الأخير ، أن حسن اختيار الزوجة أحد عوامل استقرار الحياة الزوجية ، وأن قيام كل من الزوجين بواجبه تجاه الآخر أحد عوامل استقرار الحياة الزوجية ، واستقرار الحياة الزوجية أحد عوامل صلاح الأولاد ، فالطفل والولد من شأنه أن ينفر من بيتٍ مشحونٍ بالخصومات، والمنافسات ، مشحونٍ بالكآبة ، مشحونٍ بالمُهاترات .
يا أيها الإخوة المؤمنون ، ولكن واقع المسلمين يُنْبِئ بأن هناك جهلاً فاضحاً في موضوع الطلاق ، الزوج ما إن يستفز لأدنى سبب حتى يحلف بالطلاق ، فإذا امرأته مشَرَّدة ، وإذا أولاده مشردون .
يا أيها الإخوة المؤمنون ... ربنا سبحانه وتعالى يقول :
( سورة الإسراء : من آية " 9 " )
ما لم نتَّبع الهدى الذي جاء به القرآن فلن تستقيم حياتنا ، ماذا يقول الله سبحانه وتعالى فيما إذا نشِبَ خلافٌ بين الزوجين ، فيما إذا بدا للزوج أن زوجته بدأت تنحرف عن الصراط المستقيم؟ ماذا يفعل الزوج لو أرادت زوجته أن تعصيه جهاراً ؟ ربنا سبحانه وتعالى يجيب عن هذا السؤال، يقول الله عز وجل :
( سورة النساء : من آية " 34 " )
انحرافهن ، خروجَهن عن طاعة الزوج .
( سورة النساء : من آية " 34 " )
لابد من أن تعظها ، لابد من أن تبيِّن لها ، لابد من أن توضِّح لها، لابد مِن أن تُذَكِّرها ، أما أن تطلقها من دون وعظٍ ، من دون إرشادٍ، من دون توضيحٍ ، من دون بيانٍ ، من دون أن تبين لها حُكْم الله في هذا الموضوع هذا من عوامل الجهل .
( سورة النساء : من آية " 34 " )
ربنا سبحانه وتعالى يقول :
( سورة الذاريات )
وهذه مؤمنة ؛ ذَكِّرها بأمر الله عز وجل ، ذكرها بسُنة النبي عليه الصلاة والسلام ، ذكِّرها بواجبها تجاه الزوج ، ذكِّرها بواجبها تجاه الأولاد ، ذكِّرها بما ينبغي أن تعمل ، عندئذٍ حاسبها ، لا تحاسبها حساباً عنيفاً قبل أن تعظها ، وقبل أن تذكِّرها ، وقبل أن توجهها ..
( سورة النساء : من آية " 34 " )
هذا أمر الله عز وجل ، هذا توجيه القرآن الكريم :
( سورة النساء : من آية " 34 " )
المرحلة الثانية من المُعالجة : الهِجران وهي في البيت ، لا أن ترسلها إلى بيت أهلها ، إذا أرسلتها إلى بيت أهلها ، فإن أدنى مشكلةٍ تنقلِب إلى أكبر مشكلة ، إن أطرافاً كثيرين يدْخُلون على الخَط ،ويباعدون بين الزوجين ، لذلك آيات القرآن الكريم فيها إعجازٌ في نظمها ، فإذا قرأت الآية في سياقها لها معنى ، وإذا أخرجتها من سياقها لها معنى ، ربنا سبحانه وتعالى يقول :
( سورة الطلاق : من آية " 1 " )
مهما تكن القضية كبيرةً ، تصغر وتصغر إذا بقيت الزوجة في بيت زوجها ..
( سورة النساء : من آية " 34 " )
أي عندكم ..
( سورة النساء : من آية " 34 " )
في حالاتٍ نادرةٍ بينها الفقهاء ، ولا مجال لذكرها من على المِنبر..
( سورة النساء : من آية " 34 " )
ليَذْكُر الزوج أن الله سبحانه وتعالى أقدر عليه مِنه على زوجته ، يجب أن يخاف الزوج رَبَّه ، يجب أن يتقي الله في الضعيفين ؛ المرأة واليتيم ، يجب أن يشعر أن الله قادر عليه ..
( سورة النساء : من آية " 34 " )
النبي عليه الصلاة والسلام رأى أحد أصحابه يضرب غلامه ، فقال عليه الصلاة والسلام : ((اعلم يا أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام)) .
( من الجامع الصفير : عن " أبي مسعود " )
ويا أيها الزوج إن الله أقدر عليك منك على زوجتك ..
( سورة النساء : من آية " 34 " )
( سورة النساء : من آية " 35 " )
المرحلة الثالثـة : عظوهن أولاً ، اهجروهُن ثانياً ، والضرب في حالاتٍ نادرة جداً لها تفصيلاتٌ كثيرة ، والرابعة :
( سورة النساء : من آية " 35 " )
يا أيها الإخوة المؤمنون ... هذه المراحل لا بد من أن يسلكها الزوج قبل أن يطلِّق ، وإلا شرد أولاده ، وشقي أولاده ، وشقي هو بشقائهم ، قد يسأل سائل : وما علاقة الطلاق في موضوع الخطبة ؟ علاقة الطلاق إنه أحد أبواب تشرد الأولاد وضياعهم ، وإذا ضاع الأولاد شقي الأب وشقيت الأم .
يا أيها الإخوة المؤمنين ... حتى لو أن الزوج طَلَّق ، لا بد من أن يطلق طلاقاً سُنِّياً لا أن يطلق طلاقاً بِدْعيّاً ، يجب أن يطلِّقها طلقةً واحدة وتبقى في البيت ، هذه المشكلة التي من أجلها طلقها لابد من أن تصغر مع مرور الأيام ، وله أن يراجعها من دون قيدٍ أو شرط ، فإذا مضت العِدَّة ولم يراجعها ، مَلَكَت نفسها ، وله أن يعيد عقد القران عقداً جديداً ، ويتم الأمر هكذا مرتين ، وفي الثالثة تبينُ عنه بينونة كبرى .
يا أيها الإخوة المؤمنون ... آيةٌ جعلتها فيما مضى موضوعاً لخطبةٍ بأكملها .
( سورة الطلاق )
لكن هذه الآية جاءت في سورة الطلاق ، معناها السياقي : من يتقي الله في تطليق زوجته، يجعل الله له مخرجاً في العودة إليها وإرجاعها إليه ، ومن يطلق طلاقاً بِدْعِيَّاً يصبح المخرج إلى العودة إليها مسدوداً .
أيها الإخوة المؤمنون ... ما أردت من هذا الموضوع ، ومن هذه المعالجة السريعة ، إلا أن أبين لكم أن تطليق المرأة أبغض الحلال إلى الله ؛ لأنه سببٌ لتشرُّد الأولاد وضياعهم ، وبضياع الأولاد يشقى الأب وتشقى الأم .
سببٌ آخر يا أيها الإخوة في انحراف الصغار : النبي عليه الصلاة والسلام بين في أحاديث كثيرة أن الطفل يجب أن ترعاه ، وقد قال في بعض الأحاديث : ((لأن يؤدب الرجل ولده خير له من أن يتصدَّق بصاعٍ)) .
( من الجامع الصغير : عن " جابر بن سمرة " )
الطفل كما تعلمون مفطورٌ على طاقةٍ يجب أن تُفَجَّر ، هذه الطاقات التي أودعها الله فيه ، إن لم تفجَّر في طريقٍ مشروع ، وفي أجواء نظيفة ، وفي أساليب صحيحة ، لابد من أن تفجر في بيئةٍ قذرة ، وفي أجواء سيئة ، وفي طريقٍ منحرف ، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول : (( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع)) .
( من الجامع الصغير : عن " عمرو بن شعيب ")
فالصلاة بما فيها من حركات ، وما فيها من قراءات ، وما فيها من ذهابٍ وعودةٍ من المسجد وإليه ، وما فيها من تنظيم للوقت ؛ إنها تملأ فراغ الصغير .
يا أيها الإخوة المؤمنون ... وسيدنا عمر رضي الله عنه ، قال : (علموا أولادكم الرماية والسباحة ، ومروهم أن يثبوا على الخيل وثباً) ، أيْ أن هذه الطاقة يجب أن تفجَّر في الطريق الصحيح .
والإمام الطبراني يروي في كتابه الكبير أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول : (( كل شيءٍ ليس من ذكر الله فهــو لهوٌ أو لغوٌ أو سهوٌ إلا أربع خصال : مشي الرجل بين الغَرَضين ـ الهدفين ـ في الرمي ، وتأديبه فرسه ، وملاعبته أهله ، وتعلمه السباحة)) .
كأنَّ النبي عليه الصلاة والسلام يوجهنا إلى أن هذا الطفل طاقة لابد من أن توجَّه توجيهاً صحيحاً ، ونحن على مشارف الصيف ، وفي الصيف فراغٌ كبير .
فيا أيها الأب الكريم ، يا أيها الزوج ، يا أيها المسلم ، يا أيها المؤمن ، لابد من أن تملأ فراغ أولادك ، إن لم تملأه بالخير مُلئ بالشر .
النبي عليه الصلاة والسلام يقول : ((رحم الله امرأ أراهم من نفسه قوة وجلداً)) .
( من المبسوط للإمام السرخسي )
إذاً القوة البدنية مطلوبةٌ في الإسلام ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول : ((المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأحَبُّ إلى اللَّهِ تَعالى مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ على ما يَنْفَعُكَ، واسْتَعِنْ باللَّهِ ولا تَعْجِزَنَّ ، وإنْ أصابــَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ: لَوْ أَني فَعَلْتُ كَذَا كانَ كَذَا وَكَذَا ، وَ لَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَما شاء فَعَلَ، فإنَّ "لَوْ" تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطانِ)) .
( من الأذكار النووية : عن " أبي هريرة " )
أيها الإخوة الأكارم ... من بديهيات التربية ، من مسلمات التربية أن الفراغ خطرٌ ، ولا سيما على الشباب ، ولا سيما على الشابّات ، ولا سيما على إنسان في مقتبل الحياة ، ولا سيما على طفلٍ لم يقو إيمانه بعد، فلابد من أن تملأ هذا الفراغ وإلا أن يكون الانحراف ، وفي الانحراف شقاءٌ للأبوين .
شيءٌ آخر في أسباب انحراف الأطفال أيها الإخوة المؤمنون : الخُلطة الفاسدة ورفقاء السوء، ولا أعتقد أن شيئاً أخطر على أولادك من رفقاء السوء ـ هذا الكلام ينصرف إلى الصغار وإلى الكبار إلى كل إنسان ـ يقول الله عز وجل :
( سورة الفرقان )
ما قولكم أن رفيقاً واحداً من رُفقاء السوء قد يصل بالإنسان إلى جهنَّم ، إلى جهنم وإلى الأبد ..
( سورة الفرقان )
لماذا ربنا سبحانه وتعالى في قوله تعالى قدَّم شياطين الإنس على شياطين الجِن ؟ هذا تقديم أهمية ، تقديم خُطورة ، تقديم أَوْلَوِيَّة ، إن شياطين الإنسان أخطر على الإنسان من شياطين الجن ، وما شياطين الإنس إلا رُفقاء السوء ، يأخذونك خطوةً فخطوة ، مرحلةً فمرحلة ، كلمةً فكلمة ، من معصيةٍ إلى أكبر منها ، من انحرافٍ إلى أخطر منه ، من مجلسٍ فيه معصيةٌ إلى مجلسٍ فيه معاصٍ ، من فكرةٍ ضالة إلى أفكارٍ ضالة ، من عقيدةٍ زائغة إلى عقيدةٍ منحرفة ، الله سبحانه وتعالى يقول :
( سورة الزخرف )
لذلك ربنا سبحانه وتعالى يأمرك أيها المؤمن :
( سورة الكهف )
تكفي هذه الآية ، الأمور في حياة هذا الرفيق السوء غير منضبطة..
( سورة الكهف )
ليس هناك انضباطٌ في أخلاقه ، ولا في كلامه ، وليس هناك انضباطٌ عند زوجته وأولاده ، ولا في عمله ، ولا في تعامله ، إن أمره كما قال الله عز وجل :
( سورة الكهف )
يا أيها الإخوة المؤمنون ... النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام الترمذي يقول : ((المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)) .
إنك على دينه شئت أم أبَيْت ، مسموحٌ لك في علاقات العمل أن تحدِّث إنساناً أو أن تكلِّمه ، أما أن تنشئ علاقاتٍ حميمة لإنسانٍ بعيد عن الله عز وجل ، بعيدٍ عن ذِكْرِ الله ، بعيدٍ عن قيَم الإسلام ، بعيد عن التذكير بالآخرة ، من هنا قال بن عطاء الله السكندري : " لا تصاحب من لا ينهض بك إلى الله حاله ، ولا يدلك على الله مقاله " ،والله سبحانه وتعالى يقول :
( سورة المائدة : من آية " 51 " )
( سورة التوبة )
وهناك آية أخرى :
( سورة آل عمران : من آية " 28 " )
كأن الله بريء منه ، برئَت منه ذمَّة الله .
يا أيها الإخوة الأكارم ... النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام البخاري ومسلم في صحيحهما ، يقول : ((مثل الجليس الصالح والجليس السوء ، كمثل حامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك أو تشتري منه أو تجد منه ريحاً طيبة ونافخ الكير إما أن يحرقك ثيابك أو تجد منه ريحاً منتنة)) .
قل لي من تصاحب أقل لك من أنت ،الصاحب كما يقول بعض الصوفيين : ساحب ، الصاحب ساحب ، ومن جالس جانس ، لذلك ما من شيءٍ أخطر على أولادك من رُفقاء السوء .
النبي عليه الصلاة والسلام يقول في حديثٍ ثالث في هذا الموضوع : ((المرء مع من أحب وله ما اكتسب )) .
( من الجامع الصغير : عن " أنس " )
قل لي من تحب أقل لك من أنت ، المؤمن يحب المؤمنين ، ((المؤمنون بعضهم لبعضٍ نصحــةٌ متوادون ، ولو ابتعدت منازلهم ، والمنافقون بعضهم لبعضٍ غششةٌ متحاسدون ولو اقتربت منازلهم)) .
أيها الإخوة المؤمنون ... يقول عليه الصلاة والسلام أيضاً : ((إياك وقرين السوء فإنك به تُعْرف)) .
( من الجامع الصغير : عن " أنس " )
وتعلمون أن من الأشياء التي تجرح العدالة صحبة الأراذل ، الإنسان له صفتان ؛ الضبط والعدالة ، الضبط صفةٌ عقلية ، والعدالة صفة خُلُقِيَّة ، فإذا جُرِحَت عدالته بطلَت شهادته ، أي يجرد الإنسان من حقوقه ، مما يجرح العدالة صحبة الأراذل ، مما يجرح العدالة التنزّه في الطرقات ، الحديث عن النساء ، تطفيفٌ بتمرة ، أكل لقمةٍ من حرام ، مما يجعل العدالة البول في الطريق ، المشي حافياً ، مما يجرح العدالة من علا صياحه في البيت حتى سمعه من في الطريق. أشياء كثيرة تجرح العدالة ، الحديث عن النساء يجرح العدالة ، مما يجرح العدالة صحبة الأراذل ، مما يجرح العدالة التنزُّه في الطُرقات ، أن تقود برذوناً، أي بغلاً ، أن تطلق لفرسك العِنان ، أن تسرع في قيادة مركبتك، هذا كلّه مما يجرح العدالة .
يا أيها الإخوة المؤمنون ... من أسباب انحراف الصغار الخلطة الفاسدة وقُرَناء السوء .
شيءٌ آخر : إن سوء معاملة الأبوين ؛ فالطفل إذا عومل معاملة قاسية ، وأُدِّبَ بالضرب الشديد ، والتوبيخ القارع ، والتحقير والازدراء ، والتشهير والسخرية فإنه ينحرف ، إنه يحقِد على والديه ، فالقسوةَ التي ليست في مكانها الصحيح إنها إساءةٌ بالغة إلى الطفل .
النبي عليه الصلاة والسلام يقول : ((الراحمون يرحمهم الله)) .
( من شرح الجامع الصغير )
((راحمون يرحمهم الرحمن)) .
( من الدر المنثور : عن " عبد الله بن عمر " )
((ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء)) .
( من سنن أبي داود : عن " عبد الله بن عمرو " )
النبي عليه الصلاة والسلام يقول : ((رحم الله والداً أعان ولده على بره)) .
( من الجامع الصغير : عن " علي " )
أي عامله معاملةً لطيفة ؛ جذب قلبه إليه ، أكرمه ، لان له ، عنَّفه بطريقةٍ معقولة ، بل علَّمه فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول : ((علموا ولا تعنفوا فإن المعلم خير من المعنف)).
( من الجامع الصغير : عن " أبي هريرة " )
يقول عليه الصلاة والسلام : ((إذا أراد الله بأهل بيتٍ خيراً أدخل عليهم الرِفق)).
و .. ((إن الرفـق لو كان خَلْقَاً لما رأى الناس خلقاً أحسن منه ، وإن العنف لو كان خلقاً لما رأى الناس خلقـاً أقبح منه ، إن الرفق لا يكون في شيءٍ إلا زانه ، ولا ينزع من شيءٍ إلا شانه)) .
( من زيادة الجامع الصغير : عن " جابر " )
إن الله رفيقٌ يحب كل رفيق ، إن الله يُعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف .
الإمام البخاري يروي عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله : ((إن الله يحب الرفق في الأمر كله)) .
كاد الحليم أن يكون نبياً ، الحلم سيِّدُ الأخلاق ، الله سبحانه وتعالى يخاطب النبي يقول له :
( سورة آل عمران : من آية " 159" )
الله سبحانه وتعالى يقول :
( سورة البقرة : من آية " 83 " )
فأهلك وأولادك أجدر الناس أن تخاطبهم بالحُسنى ، إن الله عز وجل :
( سورة النحل : من آية " 90 " )
هذا الموضوع إن لم يسعه العدل يسعه الإحسان ، هذه القضية إن لم يسعها العدل يسعها الإحسان .
شيءٌ آخر : ربنا سبحانه وتعالى يصف المتقين يقول :
( سورة آل عمران )
قد يغلي الإنسان ، قد يتأجَّج ، قد يشعر أن بركاناً يغلي في جوفه.
( سورة آل عمران )
هذه مرتبة :
( سورة آل عمران )
هذه مرتبة أرقى ، والمرتبة الثالثة :
( سورة آل عمران )
يا أيها الإخوة المؤمنون ... سوء معاملة الوالدين سببٌ في انحراف الأطفال ، وقرناء السوء سببٌ آخر ، والخصام والشقاق والطلاق سببٌ أوّل في انحراف الأولاد ، بقي شيءٌ آخر هو : أن سيدنا عمر ، رضي الله عن عمر جاءه رجلٌ يشكو عقوق ولده ، فماذا فعل سيدنا عمر ؟ أحضر الولد ، وأنَّبه على عقوقه لأبيه ونسيانه لحقوقه ، فقال الوَلَد :
ـ يا أمير المؤمنين أليس للولد حقٌ على أبيه ؟
ـ قال : بلى .
ـ قال : فما هي هذه الحقوق يا أمير المؤمنين ؟
ـ فقال سيدنا عمر:إنه على الأب أن يحسن انتقاء أمه ـ هذا أول حق ـ وأن يحسن اسمه ، وأن يعلمه الكتاب ـ أي القرآن ـ .
ـ فقال الولد : يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئاً من ذلك ، أما أمي فإنها زنجيةٌ كانت لمجوسي ، وقد سمَّاني جعلاً ـ أي خنفساء ـ ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً . فالتفت عمر إلى الرجل وعنفه قائلاً :
ـ يا هذا لقد جئتني تشكو عقوق ابنك ، وقد عققته قبل أن يَعُقَّك ، وأسأت إليه قبل أن يُسيء إليك .
معاوية بن أبي سفيان غضب مرةً على ابنه يزيد ، فأرسل إلى الأحنف بن قيس يسأله عن رأيه في البنين ؟ والأحنف بن قيس من التابعين الذي إذا علم أن الماء يفسد مروءته ما شربه ، كان إذا غضب غضب لغضبته مئة ألف سيف ، لا يسألونه فيما غضب ، كان من كبار التابعين قال الأحنف : " يا أمير المؤمنين هم ثمار قلوبنا ـ تذكروا هذا القول : هم الأولاد ثمار قلوبنا ـ وعماد ظهورنا ، ونحن لهم أرضٌ ذليلة وسماءٌ ظليلة ، فإن طلبوا فأعطهم ، وإن غضبوا فأرضهم، فإنهم يمنحونَك ودَّهم ، ويحبونك جُهدهم ـ أي إذا أثمرت معاملة الأب لأولاده محبةً في قلوبهم له ، وخدمةً في عضلاتهم له ، فقد نجح في تربيته إياهم ـ ولا تكن عليهم ثقيلاً فيملّوا حياتك ويتمنّوا وفاتك " .
أيها الإخوة المؤمنون ... لا زلنا في البيت المسلم ، لأن البيت المسلم هو عماد المجتمع المسلم ، الأسرة لبنةٌ أولى في المجتمع إذا صلحت صلح المجتمع ، وإذا فسدت فسد المجتمع .
أيها الإخوة المؤمنون ... حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن مَلَك الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسيتخطى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا ، الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني .
والحمد لله رب العالمين
* * *
جلد الإنسان
أما بعد .. فيا أيها الإخوة المؤمنون ... انطلاقاً من أن معرفة الله هي أصل الدين ، وأنّك إذا عرفت الآمر ، سَهُل عليك تطبيق الأمر ، مشكلة المسلمين ، أنهم عرفوا الأمر ، ولم يعرفوا الآمر ، لذلك قصَّروا في طاعة الله عزَّ وجل ، إذا عرفت الله ، وعرفت أمره سعدت في الدنيا والآخرة ، وأصل الدين معرفة الله ، والكون الذي بين أيدينا ، الذي سخَّره الله لنا ، تجسيدٌ ، بل مظهرٌ لأسماء الله الحسنى .
موضوعٌ صغير ، متعلِّقٌ في جسم الإنسان ، ربنا سبحانه وتعالى يقول :
( سورة الذاريات )
هذا الجلد ؛ الذي يغلِّف أعضاءنا ، وعضلاتنا ، وكلَّ أجهزتنا ، العلماء قالوا : هذا الجلد، يحمي البَدَنَ من كل الأخطار ، البدن محميٌ بالجلد ، وبوَّابات الجلد .....
الحمد لله رب العالمين .
نقلها
ميدوووووووووووووووووووووووووووووووووو